الصفحة الرئيسية  ثقافة

ثقافة فيلم "معز" لمحمد علي النهدي: بين الوثائقية والواقعية أشياء عن الطريق الأسود الذي سلكته تونس بعد الثورة

نشر في  19 فيفري 2022  (14:10)

يَحِدُّ المخرج محمد علي النهدي فيلمه الجديد "معز- الطريق الاسود" بقوسين وثائقين حيث ينطلق الفيلم بقوس اول، وهو عبارة عن مقدمة وثائقية تضع المتفرج في سياق تاريخي متعلق بالأحداث السياسية والارهابية التي عرفتها البلاد مباشرة اثر الثورة من صعود النهضة للحكم واغتيال القيادي اليساري شكري بلعيد والهجوم على السفارة الامريكية وغيرها من الوقائع الدامية التي ترابط فيها السياسي بالارهابي بشكل مريع. ومقابل هذه الصور الارشيفية التي تفتح الفيلم، ينغلق "معز- الطريق الاسود" بقوس وثائقي يتضمن مجموعة من التسجيلات التي وثّقت للاعتداء الارهابي الذي شهده متحف باردو سنة  201 والذي خلّف 22 قتيلا.

 بين هاذين القوسين الوثائقيين، يقدم محمد علي النهدي طرحه الروائي الذي ينبني على قصة شاب عاطل عن العمل ومنحرف اسمه معز (سيف المناعي) يتورّط بمحض الصدفة في قضية ذات علاقة بالارهاب بينما تم ايقافه من قبل الشرطة بسبب نشل حقيبة يدويّة لاحدى الفتيات التي كانت تستقل سيارة رفقة صديقها.وهنا تعود بنا هذه الاحداث للفيلم القصير الذي اخرجه محمد علي النهدي منذ سنوات وعنوانه "المشروع"، في تشابه نسبي لحبكة القصة الاصليّة، وهي ممارسة سينمائية متعارف عليها حيث يطوّر بعض المخرجين فكرة تعرضوا لها في فيلم قصير من اجل استغلالها في فيلم طويل.

ومن خلال الايقاع السريع الذي تتخذه الاحداث خاصة مع ثنائية الممثلين سيف المناعي واكرم ماڤ، يدخل الفيلم في خانة افلام "الاكشن"، وينتقل المخرج بشخصيته الرئيسية من عالم الانحراف الى عالم الارهاب اي من مجرّد نشال الى متطرف يتورّط في احداث دامية وكأنّ بالنهدي يريد ان يقول انّ اي شخص يمكن ان يكون عرضة للاستقطاب والانخراط في الارهاب اذا ما توّفرت جملة من الشروط مثل فقدان المراجع  والدمغجة والجنس والوعد بالجنّة، وهي عناصر عادّة ما يرتكز عليها الارهابيون لاقناع بعض الشبان بتنفيذ عمليات انتحارية. كما اعتمد السرد الفيلمي على عملية "فلاش باك" تسترجع كيف تحوّلت عمليّة نشل بسيطة الى تورط خطير (من غير ان نكشف المزيد من تفاصيل الفيلم) وكأنّ الاقدار هي الاخرى تحاملت على الشخصية الرئيسية لتضعها على طريق دامي او لنقل طريق اسود، وهو عنوان الفيلم.  

ولئن نجح الفيلم في تصوير عمليّة التحوّل التي تعرضت لها الشخصية الرئيسية للفيلم، ورصد مختلف مراحل تدرجها في عالم الارهاب فانّ المقاربة الفيلمية تطرح مشكل الجانب الابداعي بما انّ الفيلم حاول محاكاة مسيرة شخص ما من غير ان يوّفر السيناريو بعدا تخييلا بالمعنى الصرف للكلمة. فيتابع المتفرج الفيلم باحداثه ونسقه ويربطهما بالواقع الذي عاشته تونس من سنة 2012 الى سنة 2015 تقريبا حيث تكثّف العمليات الارهابية بشتى انواعها في تونس من غير انزياح او ابتعاد عن الواقع.

وقد يكون لهذا التمشي مزيّة البعد التوثيقي، تمشٍ تقوم بمقتضاه السينما بتسجيل الواقع وبمحاكاته روائيا ليظلّ شاهدا مثله مثل بقية الوسائط (النصوص الصحفية، كتابات المؤرخين، تسجيلات الفيديو) على الطريق الاسود الذي سلكته تونس بعد الثورة وتحت حكم حركة النهضة والذي طغت عليه الوقائع الدامية والاعتدءات الارهابية (القائمة طويلة ومنها اغتيالات شكري بلعيد ومحمد البراهمي والجنود والأمنيين والمواطنين والسياح والاعتداء على السفارة الامريكية وحادثة متحف باردو (مارس 2015) وشاطئ سوسة (جوان 2015) وغيرهم).

بقي ان نشيد ببعض المشاهد الليلية التي صورت ليل تونس المشحون بالخفايا وبالغموض والتي توّفق المخرج في تصويرها بما يفتح باب انتظارات جديدة، وقد نال محمد علي النهدي مؤخرا دعم لجنة التشجيع على الانتاج السينمائي عن سيناريو فيلمه القادم "الشوط الثالث عشر".